الولادة والنشأة
يعود النبي محمَّد (ص) في نسبه لأبوين عريقين، فالأب هو عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب، وأمه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب، ولد، كما جاء في أغلب الرِّوايات، في سنة 570 ـ 571م، وقيل إنَّه ولد قبل ذلك بخمسة عشر عاماً.
توفي أبوه وهو في بطن أمّه خلال عودته من تجارة له في الشام في يثرب متأثّراً بمرض الحمى اليثربي، ودفن هناك.
وما إن أبصر النور حتى أرسلت أمّه إلى جدّه عبد المطلب "إنَّه قد وُلد لك غلامٌ فأته فانظر إليه"، فجاءه وحمله إلى الكعبة، حيث راح يدعو اللّه ويشكره على ما أعطاه، ثُمَّ أعاده إلى أمّه ريثما يلقى مرضعة له، ليرضع وينشأ، ويتعلّم في البادية النطق بالكلمات، كما كانت عادة الأشراف في مكّة، حيث كانوا يسلّمون أولادهم الرضع إلى المراضع اللواتي كنَّ يقصدن مكة في السنين العجاف، ووقع اختياره على امرأة من بني سعد بن بكر يُقال لها "حليمة بنت أبي ذؤيب"، التي استصحبته معها إلى مضارب قومها، حيث بقي هناك لمدّة سنتين، فحملته وزوجها إلى أمّه في مكة، وكانت أمّه تريد أن يبقى عند حليمة، فقالت لها "لو تركت ابني عندك ، فإني أخاف عليه وبأ مكة"، ولـم تزل بها حتى أجابتها إلى طلبها.
وبقي هناك مدة أرجعته حليمة بعدها إلى أمه، وأعلمتها أنه قد بلغ، فأخذته أمه وعملت على رعايته في حماية وإشراف من جده عبد المطلب، وعندما بلغ السادسة من عمره توفيت أمه بالأبواء، وهي في طريق عودتها إلى مكة في أعقاب زيارة لأهلها من بني عدي بن النجار، فتولى أمره جده عبد المطلب الذي كان أولاه رعاية واهتماماً خاصين، حيث كان يرى فيه بشائر المستقبل.
محمد(ص) في كنف أبي طالب
لم تستمر رعاية الجد وعطفه طويلاً، إذ ما لبث أن توفي، ومحمَّد لمّا يتجاوز الثامنة من عمره، فتولى أمره عمه أبو طالب، لأنه وعبد اللّه والدا الرسول(ص) كانا لأمّ واحدة، ولم يكن أبو طالب بالرجل الموفور المال، وكان يعيل عدداً من الأبناء، الأمر الذي جعل محمَّداً(ص) يعمل لإعانته في كسب قوته حسب طاقته، فكان يرعى له الأغنام، وعندما قرر عمه الخروج في تجارة إلى الشام ـ وكان قد بلغ آنذاك التاسعة من عمره ـ رجاه أن يصحبه معه، فرقّ له أبو طالب وقال: "واللّه لأخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبداً".
ولما كان أبو طالب فقيراً كثير العيال ـ كما ذكرنا ـ هب محمَّد لمساعدته، ولكن رعي الغنم لم يف بالغرض المطلوب، ففكر أبو طالب في رزق يسوقه اللّه إليه، وكان ذلك عن طريق البيع والشراء والتجارة على عادة أغلب أهل مكة في ذلك العهد، وقد عمل محمَّد(ص) بالاشتغال والشراء مستقلاً بأعماله أحياناً ومشتركاً مع غيره أحياناً أخرى.
ولما عرف عنه من الصدق والأمانة، عرض عليه عمه أن يسهم في تجارة خديجة (ع) علّها تدرّ عليه ربحاً، فاستجاب لطلب عمه، وجنى أرباحاً مضاعفة عمّا كانت تدره هذه التجارة من قبل.
وعندما بلغ محمَّد(ص) العشرين من عمره، بدأ يسهم في تجارب قريش السياسية والعسكرية والدينية، حيثما رأى في هذه التجارب حقاً وعدلاًَ، رافضاً من جهة أخرى كل تصوراتها الخاطئة ومعتقداتها الوثنية.
حرب الفجار
ومما يروى أنه اشترك وهو في العشرين من عمره في حرب الفجار التي سميت كذلك لوقوعها في الأشهر الحرم، والتي نشبت بين كنانة وقريش من جهة، وقيس وأحلافها من جهة أخرى، وشارك فيها حرب بن أمية الذي تمكن وسط النهار أن يتجاوز الهزيمة التي مني بها أول الأمر، وأن يحقق النصر على قيس.
ويدّعي بعض المؤرخين أن الزبير بن عبد المطلب كان قائد الهاشميين في تلك المعركة، بينما يرى آخرون أن أبا طالب منع الهاشميين من الاشتراك فيها وتخلف عنها عبد اللّه بن جدعان وحرب بن أمية.
أمّا عن دور محمَّد(ص)، فقد جاء، كما ورد في بعض الروايات، أنه كان ينبّل لأعمامه، ويردُّ عنهم نبال عدوهم، ولكن اليعقوبي يورد رواية مختلفة يقول فيها: إنهم كانوا يستجدون النبي(ص) ويطلبون منه أن يبقى إلى جانبهم، وقد ورد في ذلك: "يا ابن مطعم الطير وساقي الحجيج، لا تغب عنّا فإنا نرى بحضورك الغلبة والظفر"، فقال "إذا اجتنبتم الظلم والعدوان والقطيعة والبهتان فإني لا أغيب عنكم"، فعاهدوه على ذلك.
وفي هذا النص إشارة واضحة إلى مدى الصدقية التي كان يتحلى بها الرسول(ص) لدى هؤلاء، كما أنه برهن على منهاجه في الحياة في رفضه الظلم والعدوان والقطيعة والبهتان وما إلى ذلك